عبد السلام بوطيب يكتب.. الهوية الذكية

عبد السلام بوطيب*

“اذا كنت تحب أحدا حرره”… حكمة من بقايا كلمات أغنية استمعت اليها ايام الشباب و ما زالت تحكمني.

فليعذرني صديقي الدكتور أياد البرغوثي، رئيس الشبكة العربية للتسامح، على استعارتي عنوان هذا المقال، الذي هو عنوان مداخلته الافتتاحية في ندوة ” حوار الثقافات و سؤال الهوية ” التي سينظمها مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم بمناسبة حلول السنة الامازيغية الجديدة 2968. بمدينة مكناس أيام 26 و27 و28 يناير، كنت أود عنونة مقالي بنفس عنوان الندوة إلا أن عنوان مداخلة الصديق أياد أذكى بكثير و من المؤكد أنه سينير مسارنا لتقريب وجهات النظر بين العالمين في هذا الموضوع الذي قررنا في المركز أن نشتغل عليه ضمن ما نشتغل عليه من مواضيع متقاطعة مع اشكالات الذاكرة المشتركة ن و من بينها اساسا سؤال حوار الثقافات في علاقته بأسئلة الهوية، كما أنني تمنيت لو كان بالامكان الاستغناء عن كل الكلام الذي سأخطه أسفله، والاحتفاظ فقط ببقايا كلمات الأغنية والعنوان، لأنهما مدعاة لإعمال التفكير العميق على أنفسنا، وفي قضايانا الحيوية، خاصة سؤال و التفاعل مع الاخر ” المختلف”، الا أن المناسبة تلزمنا بالتحدث و الكتابة و الإنصات و التحليل و التركيب لرسم طريق البحث الجماعي عن هويتنا الذكية ، لانني أعلم ، كما يعلم العالمين، أن سؤال الهوية كان وما يزال موضوع خلاف عميق بين كثير من العالمين و سيحكم تطور العلاقات – حتى الدولية منها- لزمن طويل.

وبالرغم من هذا الاختلاف الواسع الذي يتبدى في أفكار و ممارسات متنوعة،ففي اعتقادي أن هناك مقاربتين أساسيتين تتنافسان على احتواء سؤال الهوية ؛أولاهما تلك التي تعتبرها إطارا جاهزا مرجعه التاريخ والتمثلاث بمختلف أنواعها،وأسسها ومعطياتها مخزنة في الذاكرة،تؤخذ كما هي جاهزة وغير قابلة للتجزئة، وكل مناقشة لها مس بالخصوصيات، وانتهاك لها.

أما المقاربة الثانية فهي تعتبر الهوية بناء مستمرا، معطياتها قائمة على التفاعل والاحتكاك والتأثر والتأثير حيث تصبح الخصوصيات جزءا من كل بشري تتكامل مكوناته و لا تتعارض إلا بالقدر الذي يخل بالقيم الكونية في بعدها الإنساني والحقوقي أساسا.

سينعكس وجود هذين التصورين على نوع المقاربات التي تتحكم في العلاقة بين الهويات المتعددة، وفي الحكم على أدوار ثقافاتها داخل نسيج إنساني مركب… هكذا تستند المقاربة الأولى إلى مفاهيم الخصوصية التاريخية واللغوية والدينية فترفض مقولات التعايش والتفاعل والحوار، وتعتبر الدعوة إليها ابتعادا عما يؤسس الخصوصية الذاتية بجعلها هجينة ومغتربة. ولاشك أن مآل هذا التصور سيكون مرتبطا بالصراع؛ صراع الهويات، وصراع الثقافات والحضارات والتأسيس لمنطق الكيانات المغلقة التي ترى في الآخر خصما ينبغي محاربته، ومختلفا اللقاء به يقود إلى تقويض الخصوصيات الثقافية.

في مقابل ذلك تحتكم النظرة الثانية الى مبادئ الحوار والتناغم والتعايش فتؤمن بأن بين الثقافات تشاكلات تجعل التكامل ممكنا، وأن التشابه أرسخ من الاختلاف، وأن مقاصد إيجاد المشترك الذي يخدم الإنسان ينبغي أن يشكل بوصلة علاقات الثقافات ببعضها. . لذلك فإنها تتقيد بمبادئ الحوار في صورته المنفتحة التي تعني احترام كل الثقافات، وتقديرها والاعتراف بحقها في الوجود .

و نظرا إلى أنني سأوقع هذا المقال باعتباري رئيسا للجهة التي ستنظم هذه الندوة الدولية ، و انطلاقا من انحياز هذه المؤسسة المطلق لقيم الحوار في القضايا الإنسانية والوجودية والحقوقية، واقتناعا بقيمة المشترك الإنساني في مد الجسور بين الهويات والثقافات والأديان، وترسيخا لما دأبت عليه من تمكين مختلف وجهات النظر من التعبير عن ذاتها وموقفها ، واعتبار التواصل قيمة في ذاته لأنه يساعد على تجاوز الأحكام المسبقة، وتليين مفاصل الذهن البشري، والتأسيس لمستقبل يخدم الإنسان والأوطان، فإن مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم الذي أتشرف برئاسته لايمكن إلا أن يكون مناصرا للنظرة الثانية التي تحتكم إلى مبادئ الحوار والتناغم والتعايش مع الإيمان المطلق بأن الثقافات تتكامل بوظائفها رغم اختلاف مكوناتها.

و بالرغم من هذا الانحياز المطلق فموضوع الهوية في علاقته بحوار الثقافات كان و سيظل موضوعا من أخطر المواضيع التي ستواجه البشرية في القادم من السنين كم قلت سلفا، لذا فإننا سنسعى في مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية و السلم إلى إعادة تقليب النظر في الموضوع من زوايا متعددة، وبمقاربات مختلفة بهدف تبادل الخبرات الوطنية والدولية، و سنطلق اشتغالنا على الموضوع – الذي من الضروري بالنظر الى طبيعته المعقدة أن سيستمر لسنين طويلة – بطرح أكبر عدد من الاسئلة التي ستمكننا من تتويج عملنا بخلاصات سنساهم بها في رسم خارطة الطريق – على الأقل في المنطقة التي قررنا أن نشتغل عليها- نحو بناء هوية ذكية مما سيؤهلنا نحو فتح حوار متجدد مع “الآخر المختلف ثقافيا”.

لذا فمن أهم الاسئلة التي علينا طرحها اليوم لبلوغ هذا الهدف هي :

– ما معنى الهوية ؟ و كيف تتأثر بسياقاتها ؟كيف يمكن لنا بناء الهوية في‬بيئة متعددة الثقافات ؟

– أية هوية نريد للمنطقة، و على أي قيم أساسية يجب أن تنبني؟

– هل الهوية مهددة في عصر العولمة؟

– ما المقصود ب ‘‬حوار الثقافات’ ‬ و هل حوار الثقافات” معيار‬ثابت؟

– ما الهدف من حوار الثقافات؟

– ما دور حوار الثقافات في‬تدبير الانتماء الثقافي‬المتعدد في‬بيئة متعددة الثقافات و الهويات ؟

– هل حوار الثقافات أمر ممكن بدون الرجوع إلى القيم الإنسانية المشتركة كالديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون؟

– ما الأطراف الضرورية لإطلاق هذا الحوار حتى يكون مثمرا؟

– ما الشروط المسبقة لبدء حوار الثقافات؟ و ما الضرورات التي يجب أن تسايره؟

– هل ‬يمكن لحوار الثقافات أن‬يفرض بحكم القانون؟

– ما الوسائل الكفيلة بتشجيع الحوار بين الثقافات بشكل مكثف في المنطقة و المناطق المجاورة؟

– كيف‬يمكن لحوار ‬الثقافات المساهمة في‬إبراز قيمة التنوع مع المحافظة على التماسك الاجتماعي؟

– ما طبيعة النموذج الاجتماعي‬والثقافي الذي نتوخي المساهمة في بنائه من خلال إطلاق الحوار حول حوار الثقافات و الهويات في المنطقة؟

– ما الصيغ المثلى لتجاوز الاختلافات العرقية والدينية واللغوية والوطنية لضمان التماسك الاجتماعي‬وتفادي‬النزاعات في منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط؟

– كيف يمكن لنا التعامل مع التقاليد الثقافية،‬سواء أكانت تقاليد ل ‘‬الأغلبية’ ‬أو ‘‬الأقلية’‬؟ و ما العلاقة التي يجب أن نرسمها لهذه التقاليد الثقافية مع ‬ المبادئ والقيم،‬كما وردت في‬ الصكوك المتعلقة بالحقوق المدنية

والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الكونية ؟

– ‬ هل يمكن رفع تحدي‬”حوار الثقافات” بدون إثارة موضوع المساواة في‬الكرامة بين النساء و الرجال في بلدان المنطقة ؟.‬

– هل تشجع آليات عولمة الثقافة.. مثل وسائل الإتصال الإجتماعي والإعلام، في تنميط القيم وفرضها على العالم.. ؟

– هل تؤثر العولمة على الخصوصية الثقافية.. وهل ما زال هناك مجال للحديث عن خصوصية ثقافية في عصر العولمة؟.

– حوار الثقافات هل هو مشروع دولتي أم مدني بين المثقفين فقط .ما دور النقاش القاعدي في هذا الموضوع أمام الوضعية الثقافية و التربوية الحقوقية التي تعرفها جل بلدان المنطقة ؟

– ما هو النموذج الأجود ‬لتدبير التنوع الثقافي ؟

– ما موقع الفرد و كرامته في هذا الحوار؟

– هل يجب أن نبحث عن صيغ لتعايش الأغلبيات و الأقليات المختلفة في المنطقة من حيث الحقوق والواجبات وتربط بينها أواصر‬غير محكمة تتميز بجهل الواحدة للأخرى وبالأفكار النمطية المتبادلة ؟‬أم على عكس ذلك
سنبحث عن صيغ بناء مجتمعاً‬ديناميكياً‬منفتحاً‬خال من كل تمييز،‬ينتفع به الجميع ويتميز بإدماج السكان كافة في‬إطار الاحترام التام لحقوقهم الأساسية؟

– كيف ننظر نحن اليوم إلى سياسات التقليدية الغربية في هذا المجال التي انتقلت من سياسة “التعددية الثقافية” إلى سياسة “حوار الثقافات” ، و هل من الضروري لنا المرور من هذا الممر؟

– ‬ هل من الضرورة طلب إسناد متابعة هدا الحوار إلى مؤسسات رسمية و الانخراط فيها أم أن الأمر يجب أن يبق في يد منظمات المجتمع المدني إلى حدود إنضاج شروط تحول الخلاصات إلى سياسات عامة ؟

– ما حدود الأثر الايجابية لحوار الثقافات، و هل هو الدواء الفعال لكل القضايا العالقة بين البشر ” المختلفين”؟

– ماذا ننتظر من إطلاق هذا الحوار في المنطقة، و ما هو الأثر الممكن للإعلان الذي سنطلقه في الندوة المقبلة؟

– هل للدولة مصلحة في حوار الثقافات.. وهل ينسجم هذا الحوار مع مهمة الدولة في التنمية؟.

– إنها جزء من أسئلة كنت مقتنعا دوما، و ما زلت، أن طرحها هو أكثر من نصف المساهمة في رسم خارطة الطريق نحو هويتنا الذكية التي ستجنبنا المآسي المحتملة التي قد تنجم عن استدارة الظهر للموضوع و الاكتفاء بالإجابات
السياسوية التي تلتف حول الموضوع، و التي لا تريد أن تتحرر من الأوهام و من ثقل الذاكرة. و تدفعنا إلى بناء صورة نمطية حول الذات، مما يحول دون اكتشاف قدراتنا و طاقاتنا على التحرر.

“اذا كنت تحب أحدا حرره” أو على الاقل ساهم في رسم طريقه الى التحرر الذكي .و أولى خطوات التحرر هي كسر الاوهام التي تكبلنا بأغلال “ثقوب الذاكرة” التي تمنعنا من الانفتاح على الاخر.

* رئيس مركز الذاكرة المشتركة من اجل الديمقراطية و السلم.

المزيد من المواضيع