الدكتور نبيل بوحميدي يكتب: الجالية والسلطة القضائية

الدكتور نبيل محمد بوحميدي

عضو جمعية عدالة
مؤسس منصة MarocDroit

سنة 2010 كنت من المشرفين على تنظيم يوم دراسي بكلية الحقوق بأكدال في موضوع قضايا الهجرة، وكان من المشاركين أنذاك الوزير السابق المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج محمد عامر والدكتور سمير بودينار مدير مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية والانسانية بوجدة إلى جانب ثلة من الأساتذة والباحثين الأكادميين المتخصصين في مجال السياسات العمومية وقضايا الهجرة، فكان الإختلاف في النقاش بخصوص نقاط عدة، لكن كان هناك شبه إجماع حول ضرورة تطوير آليات التنسيق بين الأجهزة الوطنية المختصة، والتعامل مع مجلس الجالية كخلية تفكير وفق الغايات التي تم تأسيسه عليها، وبعد مرور 12 سنة أي السنة الماضية أشرفت على تأطير ملحق خاص بقضايا الجالية "التي يقارب 5 ملايين" على صفحات جريدة الأخبار فالتقطت تغييرا ملموسا في التعامل مع قضايا الجالية بين سنة "2010 و 2022" من عدة جوانب وهو تغير إيجابي جاء يقينا من باب التفاعل مع الدعوات التي ما فتئ صاحب الجلالة يوجهها في خطابته الملكية قصد إيلاء عناية خاصة بمغاربة العالم، آخرها تساؤله الوارد في الخطاب الملكي بمناسبة 20 غشت 2022 الذي جاء فيه" ولكن في المقابل، لابد أن نتساءل باستمرار: ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي، والسياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم ؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم ؟ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟وهل خصصنا لهم المواكبة اللازمة، والظروف المناسبة، لنجاح مشاريعهم الاستثمارية؟

صحيح أن الدولة تقوم بمجهودات كبيرة، لضمان حسن استقبال مغاربة العالم. ولكن ذلك لا يكفي. لأن العديد منهم، مع الأسف، ما زالوا يواجهون العديد من العراقيل والصعوبات، لقضاء أغراضهم الإدارية، أو إطلاق مشاريعهم. وهو ما يتعين معالجته".

ومن الأمور التي تم رصدها منهجية عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى جانب باقي شركائه في منظومة العدالة التي سعت إلى إيلاء عناية أكثر بقضايا مغاربة العالم، وما يقتضيه حسن استقبالهم وحماية حقوقهم ، من وضع تدابير وإجراءات خاصة لمواكبتهم عند عودتهم إلى أرض الوطن، سواء على المستوى المركزي أو الوطني أو على مستوى محاكم المملكة، وذلك بإحداث خلية مركزية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و كذا خلايا جهوية بمحاكم الإستئناف و خلايا محلية بمحاكم أولى درجة للإستقبال أفراد الجالية خلال فترة العطلة الصيفية،

وقد تم إصدار تقرير خاص بعملية إستقبال الجالية من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال يناير 2023 برسم سنة 2022يتضمن معطيات يمكن قراءتها بشكل يجعلها مصدرا للإيجاد مداخل لتهيئة ظروف أحسن لإستقبال قضايا الجالية أمام المحاكم و امام المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

معطيات تقرير المجلس الاعلى للسلطة القضائية:
وأوضح تقرير للمجلس حول عملية استقبال المغاربة المقيمين بالخارج برسم سنة 2022، أنه تمت تصفية 505 شكايات من مجموع شكايات الجالية البالغ عددها 527 شكاية خلال سنة 2022، وذلك مراعاة لما يتطلبه تدبير ودراسة هذه الشكايات من تفاعل سريع.

وأبرز المصدر ذاته أن مواضيع هذه الشكايات انصبت حول التظلم من أحكام قضـائية وإجراءات التنفيذ، بالإضافة إلى طلبات تتعلق بملفات رائجة، يتظلم أصحابها من سير الإجراءات فيها ويلتمسون من المجلس تتبعها، أو التعجيل بالبت فيها، أو الإنصاف فيها، فضلا عن شكايات خارجة عن اختصاص المجلس.

وبخصوص تصنيف الشكايات المعالجة حسب نوع النزاع، أشار التقرير إلى أن معظم هذه التظلمات والشكايات التي تلقاها المجلس توزعت بين ما هو زجري بما مجموعه 163 شكاية، و ما هو مدني بما مجموعه 103 شكايات، في حين تم تسجيل 78 شكاية ذات طابع عقاري، فيما همت باقي الشكايات مواضيع مختلفة.

وفي ما يتعلق بمواضيع الشكايات والتظلمات، أبرز أن أغلبها انصب حول التظلم من الأحكام القضائية بما مجموعه 205 شكايات، بنسبة قاربت 39 في المائة من المجموع العام، تليها التظلمات من مسار الملفات الرائجة بمختلف محاكم المملكة، والتي بلغ عددها 123 شكاية، أي بنسبة 23.33 في المئة، فيما لم يتجاوز عدد التظلمات المتعلقة بالقضاة 15 تظلما

وأكد التقرير أن معالجة شكايات وتظلمات أفراد الجالية المغربية المقدمة أمام المجلس خلال سنة 2022 خلصت إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات في مقدمتها إرشادهم حول موضوع شكايتهم، وطبيعة اختصاص المجلس بشأنها.

وفي هذا الصدد، تم توجيه 303 أجوبة عن شكايات، بينما تمت إحالة الشكايات التي لا تندرج ضمن اختصاص المجلس على الجهات المختصة وإشعار المعنيين بذلك، ويتعلق الأمر بـ 44 شكاية، في حين تم حفظ 72 شكاية مكررة، بالإضافة إلى حفظ 05 وشايات توصل بها المجلس، إما لسلبية البحث المجرى بشأنها، أو لعدم جديتها، أولعدم دقة المعطيات الواردة بها.

وأشار المجلس إلى أنه توافد على مقره خلال الفترة الممتدة من 15 يونيو إلى 15 شتنبر 2022 ما مجموعه 88 مواطنا من أفراد الجالية، إذ تم استقبالهم وإرشادهم بخصوص طلباتهم، والتنسيق عند الاقتضاء مع الخلايا المشكلة على صعيد المحاكم من أجل تمكينهم من الخدمات المطلوبة بالسرعة الممكنة.

وأوضح أن أغلب الوافدين عليه يقيمون بفرنسا، حيث بلغ عددهم 34 فردا، أي بنسبة 38.6 في المائة، يليهم المغاربة المقيمون بهولندا بما مجموعه 15 فردا، أي بنسبة 17 في المائة من العدد الإجمالي.

وأكد التقرير أن عدد الإجراءات المطلوبة من قبل أفراد الجالية الوافدين على مكتب الاستقبال بالمجلس بلغ خلال صيف 2022 ما مجموعه 126 إجراء، موضحا أن النسبة الأكبر منها همت إجراء مقابلة بـ 44 في المائة، يليها تقديم شكاية بنسبة 36 في المائة، فيما تنوعت باقي الإجراءات بين تقديم طلب مقابلة، والاستفسار عن مآل شكاية أو طلب التوصل بجواب عن شكاية.

وفي إطار تبسيط المساطر واعتماد نهج القرب والمرونة في التواصل مع المرتفقين، أبرز المجلس الأعلى للسلطة القضائية أنه عمل على توفير خدمة تتبع مآل الشكايات وطلبات المقابلة منذ شهر يناير من سنة 2021، وذلك عبر وضع خط هاتفي رهن إشارة العموم طيلة أوقات العمل.

وفي هذا السياق، تلقى المجلس خلال صيف 2022 ما مجموعه 31 مكالمة هاتفية من قبل أفراد الجالية، انصبت مواضيعها حول الاستفسار عن كيفية تقديم شكاية أو طلب مقابلة أو عن مآل شكاية، كما انصبت حول تقديم طلب إجراء مقابلة

وعمل المكلفون باستقبال المكالمات، يضيف المصدر، على الإجابة عن جميع تساؤلات المتصلين، وإرشادهم وتوضيح الإجراءات بدقة لهم، بالإضافة إلى تمكينهم من الرقم المرجعي الخاص بالشكاية أو التظلم لتسهيل تتبعها.
من جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن عدد الوافدين من أفراد الجالية على مختلف محاكم الاستئناف بلغ، خلال صيف 2022، ما مجموعه 261 وافدا، مضيفا، في هذا الصدد، أن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء استحوذت على العدد الأكبر بما مجموعه 73 وافدا، تليها محكمة الاستئناف بتازة بما مجموعه 31 وافدا، ثم محكمة الاستئناف بالحسيمة بما مجموعه 30 وافدا.

وفي نفس السياق، أبرز المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن عدد الوافدين من أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج على محاكم أول درجة، خلال صيف 2022، بلغ ما مجموعه 19047 وافدا، مشيرا، في هذا الإطار، إلى أن محاكم الدائرة القضائية للدار البيضاء تعد الأكبر عددا بما مجموعه 7701 وافدا، تليها محاكم الدائرة القضائية ببني ملال بما مجموعه 5555 وافدا، ثم محاكم الدائرة القضائية بسطات بما مجموعه 986 وافدا .(تقرير المجلس / وم ع)

قراءة في التقرير:
من حيث المبدأ يعتبر التقرير ممارسة إيجابية لا يمكن إلا تثمينها واعتبارها من بين أعمال المجلس التي يجب ان تقدر، لتنضاف إلى مجهودات السلطة القضائية، سواء على مستوى التدبير الإداري او على مستوى الإجتهاد القضائي الذي أضحى يعتمد قاعدة يسروا ولا تعسروا في قضايا مدونة الأسرة (الزواج-الإراثات-الطلاق..) الخاصة بالجالية، ومن حسنات التقرير المذكور انه سبيل للتعريف بإمكانية التشكي للجالية والتشجيع على ممارسته، خاصة أن اللجوء إلى مؤسسة الوسيط كملجأ للتظلم غير ممكن للحالات المعروضة أمام القضاء.

إلا أن معطيات التقرير لا تعكس الواقع خاصة وأننا نلاحظ أن عدد التظلمات المتعلقة بمسار الملف لا تتجاوز 123 ملف أي 23.33 في المائة من التظلمات في حين أن إشكال طول البت في الملفات من أكبر الإشكالات التي يعاني منها المتقاضين من مغاربة العالم،

ومن خلال الجدول أسفله يلاحظ ضعف إقبال الجالية، فيما يتعلق بقضايا الاسرة والعقار،على التشكي أمام المجلس خاصة وأن المعروف لدى المتخصصين أن هذاالنوع من القضايا هي الغالبة على القضايا التي تهم الجالية في حين أنها لا تشكل في مجموع الشكايات المعروضة على المجلس سوى 24.48 في المائة، فالمعطيات في جانب والواقع في جانب آخر.

وأمام هذه المعطيات وفي سبيل الدفع بهذه الممارسة إلى المستوى المطلوب والذي يتوق إليه يقينا المجلس الأعلى للسلطة القضائية نقترح إنجاز دليل ومطويات من طرف السلطة الحكومية المكلفة أو من طرف مجلس الجالية المغربية بالخارج بمختلف لغات دول الإقامة وتوزيعها عبر السفارات والقنصليات لتعرف بإمكانية اللجوء إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية للتشكي والتظلم، وتتضمن مسطرة وإجراءات وكيفية تقديم هذه التظلمات والشكايات بشكل مباشر أو عن بعد.

ومن جانب آخر، من بين الإكراهات التي تعرض لها المتخصصون في قضايا الجالية ما يتعلق بالزمن القضائي حيث إن المدة التي يستغرقها الملف القضائي غالبا ما تكون في غير صالح المتقاضيين من أفراد الجالية لقصر المدد الزمنية التي يقضونها في المغرب، ما جعل من أهم المطالب بهذا الشأن التسريع من وتيرة البت في الملفات التي يكون أحد أطرافها من الجالية، وهو ما تحاول الجهات المختصة قدر الإمكان تحقيقه.

والأكثر من ذلك ،فقد طالب مؤخرا الدكتور عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج بحكم إطلاعه الدقيق على قضايا مغاربة العالم، بالتشجيع على البت الفوري في القضايا التي يعرضها مغاربة العالم على المحاكم المغربية، وهو مطلب لا يمكن إلا الاتفاق معه ،خاصة في قضايا الأسرة وملفات التذييل بالصيغة التنفيذية والقضايا التي لا تعتمد على ضرورة تبادل الدفوعات والتي ليست في حاجة إلى القيام بشأنها بإجراءات التحقيق، ويمكن أن يتم تحقيق هذا عن طريق تخصيص محكمة النقض عددا خاصا ضمن مجلة النشرة المتخصصة لمحكمة النقض على غرار النشرات التي تعممها نشرة خاصة بقضايا الجالية المغربية، أو ضمن سلسلة دفاتر محكمة النقض المتخصصة، لتكون مرجعا لقضاة المملكة للبت في ما يعرض عليها اعتمادا على توجهات محكمة النقض المعممة عبر النشرات المذكورة، وهذا مدخل من مداخل تحقيق تسريع وتيرة البت والبت الفوري في قضايا الجالية.

لا يمكن إلا الإعتراف بأن هناك تحسن في تعامل الجهاز القضائي مع قضايا مغاربة العالم، وبتواصل الجهود اللازمة للرفع من منسوب الاهتمام الإداري والقضائي بالمعاملات الخاصة بالجالية، إلا أنه أصبح من اللازم الاعتماد على تقنية إنجاز الدلائل وتحيينها دوريا بمختلف اللغات وتعميمها عبر القنصليات والسفارات، ونشر أحكام محكمة النقض المتعلقة بنزاعات مغاربة العالم، وكل ما يتعلق بالشأن القضائي المرتبط بهم لتسهيل وصول هذه الفئة من المواطنين والمواطنات إلى المعلومة القضائية، وتيسير إستفادتهم من مختلف الخدمات القضائية.

المزيد من المواضيع